الثلاثاء، فبراير 10، 2009

العجوز و أنا

غريب ما يصيب المرء عندما يسطو عليه جنون الكتابة .غريب ما يصيب ذاكرتي الضعيفة بشهادة الجميع . اجد ان ذكريات و شوارع و مواقف تمر امامي و قد دفنت في قاع النفس
جلست ذاكرتي متكاة على غبارها و انا اشرب القهوة و اسمع صوت فيروز يدق الكون حولي كمهباج بدوية تعد القهوة لسائري الليل مع نسمات باردة تزرع الرعشة في اناملي
تذكرت ذلك الوجه العجوز الذي كان يحتل مكانة من فضولي الانثوي كيف و لماذا و لاي سبب اتت ملامحه واضحة و تلك النظرة التي اصبحت بعد فترة امقتها لما تسببه من الم داخلي . لم انت و الن ؟ بلا سبب تنتفض الايام السابقة في داخلنا لتقول لنا اننا مررنا من هناك يوما ما و دقت اقدامنا ارضا غريبة .

ذلك الرجل المتكا على جدران احد الشوارع في مدينة لا يخفى فيها خبر .

كنت دوما في ايام الجامعة اتناول القهوة مع صوت فيروزفي احد المحلات القديمة على الشارع كان ادمانا يوميا . حتى انني اشعر ان يومي يعد ناقصا لو لم امر بهذا المحل
المهم
فجاة ظهر ذلك الرجل الذي يجلس على الرصيف ليبيع الدخان للمارة
كان لحيته البيضاء مهذبة و يضع شماغا ابيض اللون بطريقة دقيقة يخفي بها بعضا من التجاعيد في وجهه كانت مرسومة على الطريقة البابلية في نحت الالواح
لم اكن دقيقة الملاحظة من قبل
لكن هناك فضول انثوي اعتراني كلما رايته يتناول احد باكيتات الدخان بطريقة دقيقة بحيث لا تهتز بقية العلب .
تلك الانامل التي مر عليها الزمن و لكن بنعومة من دون ان يترك اثرا الا الوقار الذي يضعه الزمن و السنين كبصمة تدل على ان هذا الرجل له تاريخ ؟
لا اسوأمن فضول الانثى و ثرثراتها
و هذه الانا .
كنت امر من امامه والقي نظرة و احيانا اشتري ولاعة او اي شيئ فقط لانظر في عينيه
لم ار في عينيه سوى نظرة عتب على الايام . كم كانت تحزنني تلك النظرة و الابتسامة الهادئة
و لكي اريح بالي الذي اصبح مشغولا بتارخ ذلك الرجل سالت عنه في المحل بحجة انني استغرب جلوسه هكذا الا يخاف ان تاتيه الشرطة ؟
رد علي زميل لي و قال هذا رجل كان يعمل معلما في احد المدارس و لكنه ادمن تدخين الحشيش و انقلبت الامور على راسه عندما طرده اولاده من البيت
لم اقتنع بتلك القصة . لم يكن باديا عليه اثار الادمان و لم اراه يوما ممسكا بسيجارة من التي يبيعها للمارة
قال لي احد العاملين بالمحل ان الرجل العجوز عراقي اتى الى هنا بعد الحرب و كان استاذا جامعيا لم يقتنع ان يكون هنديا احمرا جديدا او ان يكون حرا بالطريقة الامريكية فرحل و ترك البلاد
و قالت لي احدى الفتيات ان هذا الرجل هو من ابناء المخيم كثرت عليه الضرائب فباع بقالته و صار يبيع الدخان على الطريق
و اخر قال لي انه رجل ربى اولاده و علمهم و عندما كبروا هاجروا الى بلاد بعيدة وتركوه يعتاش من هذه المهنة بعد ان باع ارضه و بيته ليكمل تعليمهم
و ختم جملته قائلا يلعن ابوالخلفة و اللي بخلفوها
مرة حاولت ان اساله اي شيئ كي اسمع صوته عله يدلني على صحة احد القصص التي سمعتها و لكنني كلما سالته عن شيئ اردته كان يومئ براسه او يشير اليه بيديه كمن انهكته الايام فلم يعد يقوى على شيئ
تخرجت من الجامعة و بعد سنة عدت الى المدينة
لم يتغير بها شيئ حتى المحل الذي كنت ادمن قهوتي الصباحية فيها كان موجودا مع تقشر جدرانه و انحناء بعض الطاولات فيه و كلمة المحل للبيع ( هذه جديدة)
اما الدوار الذي كان مزروعا بالازهار اجرته البلدية لاحد شركات الاعلانات فوضعت به شاشة كبيرة تبث به اعلانات متنوعة مما ادى الى زيادة عدد الحوادث
طبعا السائق ينتبه للبنت اللي بترقص بنص اواعيها لاعلان علبة في يدها ترقص بها حتى انني لا اعرف ما دخل شامبو الشعر بالسيقان الطويلة للفتاة والا ينتبه لاولوية المرور في الدوار .
اول شيئ نظرت اليه بعد جلوسي على الكرسي هو مكان بسطة الدخان ولم اجد الرجل
هل مات ؟
هل رحل الى رصيف اخر ؟
و عندما سالت عنه استغرب عامل المقهى ورد بسؤالي : لهلا و انتي شاغلة عقلك بهالزلمة . يا ستي هدا لو كان اصغر شوي و احلى شو كنتي عملتي
ضحكت من رده الابله نحن في وطننا العربي ما عاد تفكيرنا يسعفنا الا للاقرب فمثلا الرجل و المراة يعني علاقة و شيطان تالت بينهم و كل واحد حسب تفكيروا و نيتو كمان

و لو بدك تعتمد على النية راحت عليك و على سمعتك من زمان
لم استطع التحمل و ذهبت الى صاحب المقهى لاساله عن العجوز اين ذهب
قال لي انه رحل كما اتى بدون اية كلمة و لا حتى سلام .

- لو لم اراه يتحدث على الهاتف لاعتقدت انه اخرس لم اكن استطيع ان اضغط عليه نظراته كانت تصيبني بالشلل كلما اتيت له منزعجا من بستطه فما كان مني الا ان اشتري علبة سجائر و ارحل
كان غريبا هذا الرجل كل منا نظر اليه و فسر وجوده بطريقته
فهناك من اعتقد انه لاجئ من العراق او من المخيم او من احدى القرى او غيره
كل منا ينظر الى الاخر بطريقته و لا يعنينا الحقيقة ابدا
طعم المرارة ارجعني الى الحاضر و تنهدت
رحمة الله عليك ان كنت حيا او ميتا .
اه من الفضول ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟



كتبت في 10-12-2008





_______________________________________


لم اعد ادري ان كان فضولي اليك مزعجا . اينما كنت اعذرني




هناك 7 تعليقات:

Gabriel يقول...

من فترة قريت مقال .. تدوينتك رجعتني اله وذكرتني فيه ، كان المقال بعنوان " توافه" بيحكي على الاشخاص " التوافه " اللي بيظهروا بشكل مفاجئ وبيرحلوا بشكل مفاجئ ، وكيف انن اما بكونوا " توافه " او بكونوا اصحاب اثر كبير وعميق بنفس اللي بينتبهولن وبدققوا فيهن وبيتحولوا من توافه لالغاز بتجذب متتبعينا .

تحية الك .

غير معرف يقول...

خطوط غير مفهومة بتفاصليها ولكنك تدرك أن بها اشياء مثيرة تدفع بك وبفضولك لأقصى حدود الحيرة ..
على كل حال أعذر فضولك وأتفهمه !

استمتعت بقراءة ما كتبت .
تحياتي لك جفر .

لبنــــــــــى يقول...

هي مجرد ذكريات
gabriel تشبيه خربشاتي بمقالة
اعتبرته اطراء صباحي جميل منك

خالد
دائما فضول الانثى على حق و لا تشك به ابدا

اكثر شيئ للان يحيرني دقة العجوز في جميع حركاته
و كانها مرسومة


شكرا لمروركم

SyrianGavroche يقول...

كثير من هذه الذكريات تسكن رأسي.. و جزء طفولي منها لا أعلم إن كان بعضها حدث فعلاً.. أم أنه حلمٌ حُفر على صخر الذاكرة... و لا أريد أن أعلم.. ربما


تدوينة رائعة...


بالإذن منك سأضيف مدونتك إلى القائمة لدي


تحياتي

Che_wildwing يقول...

كثر هم هؤلاء الأشخاص الذين يمرون على أيامنا
يتعلقون بذكرياتنا
ونتمسك بذكراهم
لا نبادلهم الكلمات
ولكن العيون لها لغة تمس القلوب بسهولة

alzaher يقول...

بالنسبة لام العبد التي ذكرتها
من الواضح انها من اهل الجليل لأنها تقول "حرك"
وبلهجة ام العبد اقول لك:
شو رأيك ندشر ها العالم انا وانت؟

لبنــــــــــى يقول...

و لو دشرنا هالعالم
هم بدشرونا فكرك وين بدنا نروح رح نلاقيهم