انطلق في الصباح الباكر كما كلفه السيد المسؤل -س- من كبار ضباط المخابرات في البلد . البلد تلك التي تقع على ناصية العالم المؤمن بالديموقراطية و لا يطبقها . احد البلدان التي نعيش بها يومنا لكن ما يميزها كثرة ضباطها و مخبريها .
انطلق و هو يرتدي زيه المدني في اتجاه غير معلوم بالنسبة له . فقد قالوا له انك ستركب الحافلة و تصل الى القطار و تركبه باتجاه البلدة الفلانية ثم عند الوصول ستجد هناك مواصلات عدة للقرية التي تقصدها
و لم يتوقع ان الحمير و الحناطير هي مازالت تعتمد في بلاده كوسيلة مواصلات رسمية تقيد مصروفاتها بالتقريرو تعتمد
و هو راكب الحنطور الصغير و يسد انفه من الرائحة التي يبعثها الحمار . شيئ طبيعي رائحة الحمار فهو استجابة لنداء الطبيعة لا يستطيع احد حتى الضابط المسؤول منعه من تادية الحمار هذا الواجب الطبيعي .
مناظر الطبيعة التي لم يتعود عليها ابن المدينة . الاشجار المتعانقة و بقعة متماوجه من الاخضرار الذي يمتد و تخمن انها لن تنتهي
و اشعة الشمس التي تسلم بكفها على العشب و جداول الماء و الينابيع كل هذه المناظر لم يرها ابدا و لم يعرف بوجودها على ارض البلاد . ما خطر على باله سؤال واحد :
ما دمنا بلادا زراعية لم ترتفع الاسعار عندنا و نشكو دوما من قلة الانتاج ؟
لم يسترسل بافكاره الا و قاطعه صوت سائق الحنطور :
- لوين رايح البيك ؟
( البيك عجبته و نفخ صدره . لم يتوقع ان يناديه احد ما يا بيك . الفقراء هم من يصنعون البيك و يمجدونه . هم وحدهم القادرون على جعله بيك كما جعلوا الاخرين ايضا بكوات و بشوات . لم يظن ان تلك القافية من الكلمات لها وقع بالنفس جميل . وود لو انه يخاطب السائق اكثر ليسمع تلك الكلمة اكثر بيــــــــــــك )
- زيارة .
- لبيت مين ؟
- بلا كترة اسئلة و سوق انت و دير بالك من الطريق .
لم يتوقع ان يكون اصلا هناك اناس يقطنون هناك - لا كهرباء و لا ماء و لا اسطح يغزوها الستلايت و اراد ان يقطع الرحلة من منتصفها للعودة و للقول للمسؤول انه لا يوجد احد يسكن القرية نفسها . و ان الدكتور المطلوب ليس له وجود . لكن لو ان احدا ما يتبعه و كشف كذبته
في بلادنا يكون خلف المواطن رجل مخابرات يراقب عمله رجال أُخر حتى نستطيع القضاء على البطالة و الحفاظ على هيبة الحكومة .
وصل الى القرية و الشمس تميل الى الغياب .
سال عن المطلوب - انا جاي لزيارة الدكتور محمود بتعرفوا ؟
و اجاب اغلب اهل القرية انهم لم يروا دكتورا ابدا بحياتهم و ان كان بحاجة لعلاج يستطيع الذهاب الى حلاق القرية .
تبا ايعيش اناس بهذه العقلية المتخلفة الى الان . لازمهم حرق و رح اكتب بالتقرير انهم ما تعاونوا معي ابدا .
التقى ببائع الخضرة الذي نفى ان يكون هناك دكتور باسم محمود لكن من الممكن ان تجد الكندرجي محمود و ذهب اليه ليتاكد من شخصه و لم تتطابق الصورة مع شكل الكندرجي و هكذا قضى بقية نهاره و ليله بين محمود الكندرجي لمحمود بياع الفول لمحمود الفلاح الى محمود و محمود اخر
لكنه لم يجد من يبحث عنه و لعن القرية و المسؤول الف مرة . اين سيقضي ليلته و اضطر لدفع مبلغ من المال زهيد جدا لصاحب احد البيوت لقاء نومه عنده في غرفة ضيقة بلا منفس و على فرشة من الممكن ان الحمار الذي اوصله قد نام عليها من قبل
بعد ان وعده صاحب الضيافة على ان يعرفه على رجل قد يدله على ذلك الدكتور الذي يريده
- ما الك يا عمي غير ابو وطن . هادا زلمة فهمان وشو بدك انو بلم زبالة او منظروا هيك يعني مش ولا بد بس هو اللي يخدمك . ما هو اللي بلم زبالة البيوت بيعرف مين ساكن فيها و ما الك غيروا لو قلك ما في يعني ما في و من طلعة الضو رح اسحبك عندو
- و شو بعمل هادا ابو وطن يعني وين ساكن . وين ولادوا
- ما الو بيت و لا ولاد
- اسمو ابو وطن
- هادا يا عمي سموه اهلنا ابو وطن لانو ما بتحرك الا بقول حي على الوطن و بظل يفهمنا انو لازم نحافظ على الوطن
لهيك بلم زبالة القرية كلها و بقعد يوزع فيها و يرتبها و يتخلص منها بطريقتوا بكرا بتشوف
و من محمود الخضرجي سمع
- هادا ما الو ولاد بس سميناه ابو وطن لانو يا عمي بموت بهالارض . انا ابني لما اجا يسافر و يهاجر بس قعد مع ابو وطن ساعة لفلوا راسوا و قعدوا
- كيف ؟
- اها سالتني كيف ... حكالوا لو انو الفلاحين كلهم راحوا و هاجروا للمدينة مين اللي بدو يزرع الارض
قالوا انو الفلاح اهم من البيك لانو بدون الفلاح البيك بموت من الجوع . و اقنعوا يتعلم ليصير فلاح و بيك و هينا بلشانين بتعليموا بمدرسة القرية القريبة
و قالت له ام سلمان خياطة القرية : ابو وطن هو في زيو لابو وطن . بحب هالارض و الا ليش سميناه ابو وطن بس هو لو يرد علي لاجوزوا و يخلفلوا ولد بس مو راضي
- ليش مو راضي
- لانو ابو وطن ما بدو خلفتوا تكون عالة على الوطن . بقول انو ولاد القرية كلهم ولادوا و بقعد يعلم فيهم و ينورهم
-ايمتى رح يشرف ابو وطن
- رح يطل اليوم اصلا لازم ييجي لانو ولاد القرية بدهم ياخدوا رايوا بهالمصيبة
- اي مصيبة ؟
- هذول اللي اجروا بيت المختار صبايا يا دوبهن لابسات و ولاد دايما سكرانين . و الله امبارح لولا ستر الله كان راحت بقرة دار ابو العباس تحت سيارتهم و ماتت و صار ابو عباس وولادوا يسفوا التراب ان داري من وين هالبلاوي بتيجينا . معهم سيارة سودا حاطين على شبابيكها قماش قال مغطيين الشبابيك و تاركين نسوانهم بلا اواعي اتفو على الزلم .
- قال لها بصوت منخفض : اسمعي يختي انا ما بدي اخوفك هدول بيجوا يومين ينبسطوا و يتفرجوا على القرية يتسلوا بلا ما تضايقوهم و الله بحرقوا القرية باللي فيها اي احنا اصلا ما سمعنا عنكم و لا عن قريتكم قبل هيك
- هيو ابو وطن اجا .
- وينو ؟هادا اللي جاي علينا . نظر اليه بدقة يريد ان يتفحص رجلا يعمل بالقمامة لكن يُجمِع اهل القرية انه اكثر الفهمانين بها و حلال مشاكلهم اكثر من مختارهم . رجل في السبعين من العمر .
و صاح فجأة : يخرب بيتكم هادا هو الدكتور
كيف يكون وجوده في هذه القرية خطرا على امن الوطن ؟
و تأكد ان هناك قضية تحتاج الى تلفيق فرتبت لابو وطن على مقاسه و على حسب تاريخه .
نظر ابو وطن اليه من تحت النظارة . و عرف انه آتٍ له . لم تختلف اشكالهم عن اخر مرة اعتقلوه فيها . وو ضعوه بالسجن لعشرات السنين و اهدروا عمره و عندما انتهوا منه رموه لاقرب مزبلة . يريده باسمه الذي نسيه من اول ما وطئت قدمه هذه القرية
تجمد في مكانه فجاة
نادى عليه : لا تتحرك انت موقوف
- لن اتحرك من هنا ابدا و لن اعود اليكم مرة اخرى
و اذا بصوت سيارة ات من بعيد كصوت البرق الاول الذي تشعر به يهز كل المكان و ما ان فتح عينيه حتى وجد الناس تتراكض باتجاه ابو وطن
- دعسوا ولاد الحرام دعسوا لابو وطن
ركض باتجاه الناس و قال لهم
- ولكم هذا الدكتور محمود مش ابو زفت هادا هارب من العدالة الضابط قالي انو بهدد امن الوطن و كان يدرس بالجامعة هاتوا ميت او حي المهم اني رجعت فيه
وقف اهل القرية بوجهه
لم يتنازلوا عنه حتى لو ميتا و دفنوه في باحة مسجد القرية
- قرية جاهلة الحكومة بتقول عنو كافر و انتو بتدفنوا بالمسجد
قالت ام سلمان : لو كان الكفر زي ابو وطن يا ريت حكومتك كمان تكفر و تصير زيو بلكن بصير النا وطن
عاد الى المدينة و كتب كل شاردة وواردة و التقط صورا للقبر و قدمها بالتقرير
الضابط : و مين اللي دعسوا
المخبر : ابن فلان بيك كانوا نازلين يصيفوا بالقرية
الضابط : و الله انو ابو بطل بس ما توقعت انو ابنوا يطلع بطل
المخبر : بس يا سيدي هادا ما كان يعرفوا اصلا هو كان سكران و.......
الضابط : اخرس انت مو عارف عن مين بتحكي انا بقول بطل و انهى على الفتنة اللي كان بقوم فيها الدكتور الكافر الخائن يعني بطل المخبر : امرك سيدي
______________
جرائد صبيحة اليوم التالي او الذي بعده
و قد تم القضاء على بؤرة الخيانه التي كان يقودها الدكتور محمود في قرية على اطراف الوطن و بيد احد ابناء ابطال هذا الوطن
و صورة ابن فلان بيك يقف بجانب سين بيك و ابوه كمان بيك
_________________
اهل القرية مازالوا ينتهجون طريق ابو وطن . ابن الخضرجي حل محله في جمع القمامة و توعية القرية
______________
المخبر صار ملازم او عريف المهم انو ترقى و صار حارس امين للبطل ابن فلان بيك
و تأكد ان ابو وطن مات و هو يحلم بشقفة وطن . فتحققت امنيته - في قبر - في اقصى وطن ما
________________
و ... مجرد محاولة
و تصبحون على وطن
هناك 9 تعليقات:
في بلاد تحكمها الخفافيش
الشرفاء لا يملكون قبورهم
عندما تعلق صور اللصوص على
الجدران لابد تدفن الكرامة حيّة
القصة حلوة(:
رغم مرارتها):
الله يرحم ابو وطن
تحياتي لك
اييييييه والحبل عالجرار
في من هالماركة كتير يا جفرا
الله يعين الوطن
ويكتر من امثال ابو وطن
مسرور
بالفعل هناك الكثيرون ممن يدفنون احياء
و لا نعرفهم و لم نسمع عنهم
من الممكن انهم مروا يوما بجانبنا
و ذهبوا
الله يرحمنا جميعا
شكرا لمتابعتك لي
كن بخير
ياسمين متل ما قلتي من هالماركة كتير بس للاسف ماركة مين ؟ ما اظن ابو وطن
و الله يعين هالوطن
:) تحية
اكيد ماركة هالمخبر
(:
وصباحك وطن
رائعة جداً جداً... من أجمل ما قرأت مؤخراً
تحيتي :)
ياسين : شكرا لاطرائك
اسعدتني متابعتك لخربشاتي المتواضعة :)
رحمة الله على أبو وطن، ورحمة الله على كل شخص أبو وطن في بلاده
قصة رائعة لما لها من جزء مخفي :)
حسام اسعدني وجودك بين خربشاتي المتواضعة
و متل ما قلت :
ورحمة الله على كل شخص أبو وطن في بلاده
ما بنطلب غير الرحمة
إرسال تعليق